في لقائه السادس عشر، ناقش نادي الكتاب الذي تشرف عليه مكتبة الحسين بن طلال في جامعة اليرموك بالتعاون مع مديرية ثقافة إربد، ويديره الروائي هاشم غرايبة كتاب "نظام التفاهة" للمؤلف الكندي آلان دونو، والذي ترجمته الدكتورة الكويتية مشاعل الهاجري، وشارك في اللقاء أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الدكتور وليد عبد الحي، ومترجمة الكتاب الهاجري التي شاركت من الكويت عبر منصَّة Zoom ، بالإضافة إلى عدد كبير من المهتمِّين من الجامعة ومن نادي الكتاب.
وفي تعليقه على الكتاب قال عبد الحي إن الهدف الأساس من كتاب "نظام التفاهة" الكشف عن العلاقة بين بنية النظام الرأسمالي والذين يديرونه، والذين يصفهم الكتاب "بالتافهين"، حيث رأى أن الكتاب يتمحور حول الفساد الذي يخلفه هؤلاء في بنية النظام الرأسمالي، كما يتطرق إلى الحرية، فيبيِّن أن النظام الرأسمالي يوهمنا بوجودها، في حين أننا مسلوبو الخيارات فيه، بحسب ما يراه المؤلف.
وبيَّن عبدالحي أن النظام الرأسمالي وصل إلى ما وصل إليه، في رأي دونو، من خلال ثلاث ركائز هي: "التشيُّئ"، أي تحويل كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع، بما في ذلك التميُّز الاجتماعي. ومن أهمِّ نواحي الحياة التي يتجلى فيها ذلك المؤسَّسات التعليمية التي يحوِّلها هذا النظام إلى مؤسَّسات إنتاج تجاري لا تبالي بالنوعية ولا بالتعليم الذي أُنشئت من أجله أصلًا، والركيزة الثانية هي تحويل الحياة إلى "لُعبة" الهدف منها الفوز، بغض النظر عن الوسيلة، لكنَّ هذا الصراع على الفوز لا يتجلى للناس بوضوح؛ لأنه ذو طبيعة سلمية. وتدير هذا النظام مجموعة من متوسطي القدرات، أو "التافهين"، وقد تيسَّر لهم ذلك عندما حوَّل النظامُ "المهنة" في المجتمع إلى وظيفة، أي انفصل الإنسان عن عمله، كبائع الصحف، مثلًا، الذي يبيع الصحف دون أن يقرأها. ويمكِّنهم منها أيضًا التحوُّل إلى سلطة التكنوقراط الذين يعنيهم حلُّ المشاكل، بصرف النظر عن القيم الإنسانية، مما حوَّل الدولة نفسها إلى "شيء". ويعزِّز النظامُ نفسه من خلال استقطاب "التافهين" لأمثالهم من "التافهين"، فيصبح النظام كله مكوَّنًا من متوسطي القدرات، ويحلُّ الخبير التكنوقراطي محلَّ المثقف، ويؤدِّي غياب المثقف إلى غياب النقد، فهذا المجتمع ليس فيه مَن ينقده، كما يمتاز هذا النظام بغياب الفكر الجمعي، لأن كلَّ قطاع معني بنفسه. ويتصدَّر مشهد "التفاهة" هذا، في رأي المؤلف، أساتذة الجامعات، ثم العلماء العاملون في الشركات، ومن بعدهم الإعلاميون، فالفضاء الفكري كله هي سلع ينتجها "التافهون".
ورأى الدكتور عبد الحي أن الكتاب يعكس تجربة مريرة مرَّ بها الكاتب نفسه، فهو بالغَ في ذمِّ التكنولوجيا على الرغم مما فيها من فوائد وجوانب إنسانية. كما أخذ على المؤلف تجاهله لظواهر إيجابية في النظام الحالي، سواء على المستوى التكنولوجي أو المستوى الإداري.
بدورها قالت الهاجري إنها فوجئت بإقبال القارئ العربي الشديد على الترجمة العربية للكتاب، ورأت أنَّ هذا الاهتمام ليس ناشئًا عن الكتاب نفسه أو عن ترجمته، وإنما عن أزمة كانت موجودة مسبقًا في المجتمعات العربية، فجاء الكتاب ليضع مسمَّيات وأوصافًا لها. ونبَّهت إلى أنَّ الكتاب، فيما ترى، لا يصف مكانًا بعينه، وإنما يتحدَّث عن مرحلة زمنية معاصرة يسود فيها "نظام التفاهة". ومن جهة أخرى، قالت إنها تتفهَّم النقاش المتعلق بترجمة عنوان الكتاب، لكنها قالت إنها قصدت بكلمة "التفاهة" "ضآلة الشأن"، وليس "السخافة". وأضافت أنها ترجمت الكتاب كما تتمنَّى أنْ يُترجَم لها؛ فهي ترى أن مترجم النصِّ شريك في إنتاجه، فعليه أن يتحرَّى الأمانة في ترجمته، ومن حقِّه أن يوضح المقصود من النصِّ، سواء بإضافة المقدِّمات أو الحواشي، بحيث تتضمَّن المقدِّمة عرضًا للكتاب ونقدًا له.
من جهته، نبَّه الدكتور نايف العجلوني إلى التقاء مقولات الكتاب مع مقولاتٍ لإدوارد سعيد الذي قد كان نبَّه إلى أن الأكاديميين والخبراء يعملون لمصلحة رأس المال، مما يؤدِّي إلى سيادة النظام "الاعتيادي" ليصبح هو المعيار الوحيد المسموح به في السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والفن، ويندرج ضمن هذا النظام، في رأي الدكتور العجلوني، النظام التربوي السائد لدينا، وهو نظام يتلزم بحدود شكلية، لا يسمح بالخروج عليها، مما يؤدِّي إلى سيادة "العادي" و"المتوسط"، ويمنع ظهور الإبداع.
من جانبه أشار الدكتور يحيى ملحم أن المقصود بعنوان الكتاب "المستوى المتواضع" أو "الأداء المتواضع"، واتفق مع مؤلف الكتاب في أنَّ "نظام التفاهة" موجود في الجامعات، وأنه يشكل قيدًا للطالب والأستاذ معًا، فهو يتجلى، مثلًا، في نظام الترقيات الأكاديمية وفي نظام الامتحانات؛ فكلا النظامين يتحوُّل عن الاهتمام بجوهر الأشياء إلى شكلها.
فيما قال الدكتور جمال مقابلة إن ترجمة العنوان ربما ضللت القارئ، وساقته إلى فهم الكتاب على نحو مخالف لما أراده المؤلف، مشيرا إلى أن َ الكتاب يبيِّن كيف أمكن للنظام الرأسمالي الديمقراطي أن يساوي بين الناس على اختلاف قدراتهم، فأتاح لمتوسطي القدرات أن يتولوا قيادة المجتمع من خلال الالتزام بالقواعد التي وضعها النظام لهم.
ورأى الباحث أحمد زكارنة من رام الله أنَّ الكتاب وعنوانه يطرحان قضية عامَّة بفكر عالٍ وعميق، وهي قضية تمسُّ الجمهور العربي الذي يعاني من نقص الكفاءة لدى الفئات القائدة في مجتمعه، وأكد أنَّ ترجمة العنوان تعكس مضمون الكتاب على نحو صحيح.
أما الأستاذ إسماعيل أبو البندورة فذكر أنَّ المترجمة بذلت جهدًا كبيرًا وعميقًا في فهم الكتاب وعرضه، ونبَّه إلى أنَّ الكتاب يشترك مع مؤلفات أدبية وفكرية أخرى في معالجة ظاهرة "التفاهة"، إذ تعكس هذه المؤلفات الأزمة التي يمرُّ بها النظام الرأسمالي.
وشاركت في اللقاء كل من فهيمة غنايم وحنان العابد، وكلتاهما من طلبة برنامج الدكتوراه في التربية بجامعة اليرموك، وجاءت مشاركتهما من فلسطين، عن طريق منصَّة Zoom، فقالت غنايم إنَّ الكتاب يبيِّن أنَّ فئة قليلة من متوسطي القدرات تتحكَّم بالعالم تحكُّمًا مطلقًا، موظفةً في ذلك المؤسَّسات المجتمعية على اختلافها ومتسلِّحة بوسائل الإعلام، وأكدت أنَّ عقد اللقاءات الثقافية التي تنبِّه إلى وجود "نظام التفاهة" وسيلة من وسائل مكافحته.
أما حنان العابد فذكرت أنَّ الكتاب ينبئ بحرب لا ضجيج فيها، تشنها التفاهة متسترة بالثقافة، وذكرت أنَّ لغة الكتاب صعبة، وقراءته ليست سهلة، لكنَّه يتضمَّن خطابًا فكريًا عميقًا عن الرداءة الفكرية التي تسود العالم؛ فنظام التفاهة هو نظام خالٍ من القيم، يحثُّ الناس على السعي إلى تحقيق الغايات دون الاحتفال بالوسائل.
وأكد الطالب محمد حلالشة من كلية الشريعة أن "نظام التفاهة" موجود في جوانب الحياة كلها وعلى المستوى العالمي، وهو نظام واقع في التناقض، يدِّعي منح الحرية لأفراده لكنَّه مخادع في ذلك، ورأى الحلالشة أن النظام الإسلامي يشكِّل البديل الأمثل لهذا النظام.
وقالت الطالبة رؤى حوامدة من كلية الصيدلة إن الشبكات الاجتماعية طوَّرت عقلًا جمعيًا اختزل كثيرًا من المراحل، لكنَّ هذا التطوُّر جاء مشوَّهًا، بحيث أدخل الناس كلهم في قالب واحد، مؤكدة أن مقولة الكتاب تلتقي مع مقولات سابقة لكتَّاب آخرين، مثل H.G. Wells.
أعدت اللقاء السيدة سوزان ردايدة، مسؤولة النشاط الثقافي بمكتبة الحسين بن طلال، وأداره فنيًا السيدان سامي أبو دربية، رئيس قسم الدعم الفني في المكتبة، وعبد القادر عوَّاد من القسم.