شارك رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي في أعمال المؤتمر الدولي الإلكتروني الأول والذي نظمه قسم التاريخ والآثار في كلية الآداب بجامعة الكويت بعنوان "الأوبئة عبر التاريخ"، والذي شارك فيه علماء وباحثين من مصر، والعراق، والجزائر، وتركيا، وماليزيا، والسعودية، وليبيا، وتونس، واليمن، والمغرب.
وقدم كفافي خلال الجلسة الأولى للمؤتمر بعنوان "الأوبئة في الشرق الأدنى القديم" ورقة علمية بعنوان "ثلاث حالات مرضية في العصور الحجرية في شرقي المتوسط"، أكد فيها أن فهم المظاهر الإنسانية الحضارية وتطوراتها، ونقل التطورات الثقافية وما واجهته البشرية من أمراض وأوبئة عبر العصور، يتطلب منا دراسة وفهم البيئة التي نشأت فيها هذه الحضارات والطريقة التي تفاعل فيها الناس مع هذه البيئات، وأن لانغفل في هذه الدراسة التحولات البيئية الناتجة عن التغيرات المناخية عبر العصور، حيث شهدت عصور ما قبل التاريخ اختلافات في المناخ من فترة لأخرى، أدت إلى تغير بيئي كلي أثر بشكل كبير على طبيعة الحياة في منطقة البحر المتوسط.
وأضاف أن الكثير من المناطق الطبيعية القديمة والتي كانت موئلاً للغابات الشجرية والحيوانات البرية، أصبحت قفاراً وتحولت إلى صحار إما نتيجة للعوامل الطبيعية أو البشرية، لافتا إلى أن انتقال العدوى بين الناس في الوقت المعاصر أصبح مختلف جداً وذلك نتيجة لسهولة التواصل بين المجتمعات البشرية، الأمر الذي يساعد في انتشار الأمراض وخاصة الوبائية منها، مشيرا إلى أن العديد من الباحثين قد حاولوا وضع تصور لطبيعة حياة الناس والبيئة خلال العصور الحجرية.
واستعرض كفافي خلال الجلسة أمثلة حول بعض الأمراض التي وجدت خلال العصور الحجرية، لافتا إلى أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان ربما تكون هي الداء والبلاء، ومن الأمثلة على ذلك مرض الملاريا الذي ينتشر في مناطق المستنقعات، فإن تواجد الناس في بيئة كهذه، فإنهم معرضون بطبيعة الحال للإصابة بهذا المرض، كما قدم أيضا ايجازا حول طبيعة الانسان في تلك العصور وكيفية تعامله مع الأمراض التي تعرض لها، الأمر الذي نستدل من خلاله على مدى التقدم الفكري للانسان في تلك العصور.
وقدم كفافي ايضا خلال الجلسة ايجازا حول ثلاثة أنواع من الأمراض التي تم التعرف عليها من عصور ما قبل التاريخ، الأول هو الشلل أصيب به شخص نياندرتالي (أي قبل ظهور الإنسان العاقل)، دفن قبل أكثر من خمسين ألف عام في كهف شانيدرفي جبال كردستان بشمالي العراق، حيث تم بتر ذراعه وتعرض بعدها لشلل نصفي، وتدل هذه الحالة على معرفة متقدمة بكيفية التعامل مع الحالات المرضية الإنسانية، والمرض الثاني يُعتقد بأنه النزيف الدماغي، حيث تم العثور على عدد من الجماجم البشرية في موقع تل السلطان/أريحا في فلسطين، تعود لحوالي عشرة آلاف عام من الوقت الحاضر، والتي وجدت مدفونة دون أجسادها، وكانت واحدة منها تحمل ثقوباً في أعلاها مما جعلنا نعتقد أنه حفر هذه الثقوب كان مقصوداً للتخلص من نزيف في الدماغ، والله أعلم.
وأشار إلى أن الحالة الثالثة، كانت اكتشاف ثلاث حالات لمرض السُل تعود لما قبل حوالي تسعة آلاف عام، في موقع عين غزال في شرقي العاصمة عمّان، وقد جاء هذا التشخيص بناء على دراسة قام بها ثلاثة من متخصصي الأنثروبولوجيا العضوية، موضحا أن هذه الحالات المكتشفة تعد الأقدم في العالم، حتى الآن.
ولفت كفافي إلى أن دراسة كل هذه الحالات تدلنا على أنواع الأمراض والأعراض المرضية التي شاعت بين أناس عصور ما قبل التاريخ، ففي الفترة التي عاش فيها الإنسان متنقلاً وجامعاً لقوته تعرض للعنف، مثل ضربة على وجه أحد الهياكل العظمية في شانيدر، ولكن لا نعرف ما هي الأمراض التي كانت سائدة في شرقي المتوسط في زمن الكائن نياندرتال، مشددا على أن الهدف من الورقة البحثية التي قدمها باعتباره متخصصا في علم الآثار ليس البحث في الأمراض وماهيتها وانما تقديم فكرة حول المعرفة الإنسانية بكيفية التعامل مع ما يصيبة من أعراض مرضية ففي الحالة الأولى بتر اليد وفي الثانية ثقب الجمجمة، أما الثالثة فربما تدل على أن مرض السل كان وباءً قبل حوالي تسعة آلاف عام انتشر بين الناس.