شارك رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي في فعاليات مؤتمر "الثقافة والهوية في العالم العربي" الذي تنظمه كلية الآداب في جامعة الكويت، حيث القى كفافي خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر محاضرة بعنوان "التراث الثقافي العربي إلى أين؟"، أكد فيها على ضرورة تضافر كل الجهود المخلصة للتعريف بالتراث الثقافي العربي والحفاظ عليه، خاصة في ظل ما يتعرض له من هجمة كبيرة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وقال إن إعجابنا بما هو غربي قد طغى علينا على الرغم من أن خطوط الحضارة في عالمنا العربي ضاربة جذورها في أعماق ما قبل التاريخ، حيث ترك لنا أجدادنا الذين عاشوا فوق الأرض العربية موروثاً ثقافياً يضرب في جذوره ملايين السنين وآخر منقوشاً ومكتوباً ويعود لآلاف السنين، موضحا أن الثقافة تضم إضافة لما هو محسوس (كالآثار) أموراً غير محسوسة (كالعادات والقيم والتقاليد والأديان)، مما يعني أن الثقافة شمولية في معناها الأمر الذي يجعلها أوسع من مفهوم الحضارة والمدنية، لافتا إلى أن أصول الحضارة العالمية تنطلق أساساً في مفاهيمها ومعاييرها من الشرق، وتساءل أين تقف الحضارة العربية في الوقت الحاضرمقارنة مع غيرها من الثقافات والحضارات المعاصرة؟
وأشار كفافي إلى أن اتصال الشرق بالغرب بدأ قبل آلاف السنين، حيث شكلت المواقع الواقعة على سواحل البحر المتوسط مراكز لهذا الاتصال الحضاري، بالإضافة إلى ان نشوء الحضارات المينوية تأثر بالحضارة الفرعونية المصرية، مما يبين أن كثيراً من المعارف إنتقلت من الشرق إلى الغرب، وبالعكس، وبشكل سلمي، مشيرا إلى أن الأمر بقي سلمياً حتى بدأ الصراع الفارسي – اليوناني في النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، حيث كانت الغلبة في نهاية الأمر لجيوش الإسكندر المكدوني ومن تبعه من قادة البطالمة والسلوقيين.
وأضاف أن الإسكندر جاء حاملاً معه حضارة دخيلة إلى بلاد الشرق وجلب معه ديانات جديده (عبادة زيوس وآرتيمس) ومخططات مدن التزمت بالمخططات اليونانية والرومية بعدها، وحلت الكتابة اليونانية في كثير من الأمور محل الكتابات المحلية مثل الآرامية والنبطية (لكنها لم تلغيها تماماً).
وقال إن بلادنا زخرت بالعديد من الوثائق والمخطوطات القديمة والمكتوبة بخطوط انقرضت، لكنها تعدّ مرجعاً لكل من يكتب في تاريخ بلادنا كمخطوطات البحر الميت، لكني أتساءل: من هو الباحث أو العالم الذي يقرأ ويحلل هذه النصوص القديمة؟، لافتا إلى أن محاولاتنا في الشرق لا تزال تحبو مقارنة مع ما يقوم به علماء الغرب، وأنه وفي مجال دراسة التراث الثقافي فإننا مقلدين في كثير من الأحوال، مؤكدا على أنه إذا أردنا المحافظة على ثقافتنا علينا أن نعرف ما يجري من حولنا، خاصة إذا ما علمنا أن ما يكتب وينشر في الغرب من دراسات علمية حول موروثنا الثقافي على أهمية كبيرة.
وأشار كفافي إلى أن هذه الأرض هي مهبط الديانات السماوية الثلاث، وجالها الأنبياء مبشرين بالديانات السماوية لذا فإننا كعرب يجب أن نفخر بما تركه لنا هؤلاء الأنبياء، مضيفا أن أرض الجزيرة العربية بقعة طاهرة خرجت منها جحافل المؤمنين الأوائل حاملة دعوة النبي محمد عليه السلام إلى بقاع العالم الأخرى، حيث جاءت رسالة سيدنا محمد مكملة لرسائل النبيين موسى وعيسى عليهما السلام، ودخل في هذه الديانات من دخل من الغربيين، وأنتشرت المسيحية في أوروبا على يد قسطنطين الأكبر في حوالي 324 ميلادي حينما إعترف بها ديانة رسمية للدولة الرومية، وانقسمت الكنيسة بعدها بين شرقية وغربية، وكان هذا أساساً لمجيء عدد من الأوروبين لبلاد الشرق للتعرف على الأراضي المقدسة من حيث المكان والسكان، فدرسوا أهلها من حيث لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وأشار إلى أنه وبعد أن سيطر العرب المسلمون على بلاد واسعة وانتشر الدين الإسلامي فيها خلال العصور الإسلامية الأولى، بدأ تراجع هذا المد، خاصة بعد الفترة العباسية الأولى، وأستولى على مقاليد الأمر الأتراك والسلاجقة وغيرهم، ودخل الصليبيون البلاد محاولين نزع الهوية الثقافية الشرقية عنها، ولم يخرجوا منها إلاّ على يد القائد صلاح الدين الأيوبي في عام (1187م) بعد أن هزمهم في معركة حطين، وظلت هذه البلاد بعدها تعاني، ومتذبذبة بين صعود وهبوط حتى إنتزعها العثمانيون من المماليك بعد انتصارهم عليهم في معركة مرج دابق في عام 1516م. ولم يخرج العثمانيون منها إلاّ بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى في سنة (1918م). وللأمانة ، فإن طابع البلاد خلال الحكم العثماني بقي شرقياً.
ولفت كفافي إلى أن الأوروبيين كثفوا رحلاتهم الاستكشافية لهذه البلاد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر"، وخلال الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، صال الغربيون وجالوا في أرجاء البلاد وقاموا بإجراء العديد من الدراسات الميدانية. ولم ينبشوا الأرض فقط بل حاولوا الدخول إلى عقول الناس. وبدأ التحضير وبشكل منظم لإنشاء الدولة الصهيونية في فلسطين والتي أفرزت دولة إسرائيل ي عام 1948م.
وقال: أني لا ارى أي غبار في القول بأن النتاج الحضاري لمملكة إسرائيل الأولى، التي لم تعمر طويلاً، ما هو إلاّ نتاج تراثي لثقافة شرقية هي ملك للشرق ولا دخل ليهود روسيا أو أميركا بها، لذا من واجبنا الحفاظ على هذا التراث لأنه ملك لنا، لكن، لافتا إلى أن هناك أمران نتجا عن تأسيس دولة إسرائيل الأمر الأول، أصبح هناك حساسية لدى العرب والمسلمين لما هو يهودي، وبهذا تخلو عن تراث يخصهم، والثاني بأن نجحت دولة إسرائيل في كثير من الحالات في تجيير الأمور والأحداث التاريخية لصالحها وتبنت كثيراً من الثقافات الشرقية والتي لا دخل لليهود الغربيين بها.
وأشار إلى أننا لسنا ضد العمل العلمي البحت، وإنما ضد تسخير العلم ووضع تفسيرات علمية تخدم المآرب السياسية المعلنة والمخفية، وكذلك فإننا لسنا ضد التراث الثقافي الغربي، لكننا نتمنى ألا نقف يوماً في سوق شرقي ولا نفهم بأي لغة يرطن الناس، فلا ضير أن يبقى ما هو شرقي شرقي وما هو غربي غربي، ولا مانع من التواصل الحضاري بينهما، ويتميز أي شخص عن الآخر بمدى معرفته لمكنون الثقافة الأخرى شريطة أن يبقى متمسكاً بثقافته الأصلية.
وأوضح كفافي أنه يعد كثير من الباحثين اللغة العربية المكوّن الأساس للثقافة العربية، وأنها هي التي تجعل من العرب أمة واحدة. ، مشيرا إلى أنه اذا كان الأمر هكذا، وسلّمنا بأن اللغة هي وعاء الفكر، والثقافة، لأي أمة من الأمم، فإن الميراث الثقافي، والتاريخ المشترك، هو الذي يدمج الشعوب، ويوحدها في صورة واحدة في أذهان الأمم الأخرى؛ فالتراث الأثري، إلى جانب اللغة، هو قوام هذه الأمة وهويتها، وهو، الذي يربط بين العروبة والإسلام، كما أن الإسلام هو ميراث العرب جميعًا من مسلمين، ومسيحيين، ويهودٍ عرب، فمعرفة اللغة هي التي تحصن الهوية، ومنزلتها بين اللغات الأخرى انعكاس لمنزلة أصحابها بين الأمم.
وقال: إذا كنا نشهد الآن عولمة الاقتصاد العالمي، فإننا نخال أنفسنا وخلال السنوات القادمة في خطوة تالية هي عولمة الثقافة.لاسيما وأن الآثار تشكل جزءاً هاماً من الموروث الثقافي للأمم، والثقافة هي التي تتحكم في طبيعة العلاقة بين الأفراد، والجماعات، والأمم، كما أنها تتحكم في مقدار ارتباطها بحضارتها، وتاريخه، لذلك فإن عولمة الثقافة هي تدمير وإلغاء للهويات الثقافية الماضية والحاضرة.
وأكد على ضرورة تطوير العالم العربي من الوعي الذاتي بالثقافات، والحضارات المختلفة، وبيان دور الحضارة العربية في بناء ومساعدة غيرها من الحضارات. موضحا أن الثقافات تندمج أحياناً كثيرة في حضارة واحدة نتج عنها مخلفات أثرية، ووثائق، وفنون، وتاريخ مشترك، مشيرا إلى ان الثقافة شمولية في معناها مما يجعلها أوسع من مفهوم الحضارة، والمدنية، وأن أصول الحضارات تنطلق في الأساس في مفاهيمها، ومعاييرها من الشرق.
يذكر بعض العلماء أن تاريخ الأمة العربية استند في الأساس إلى اللغة، وأن القرآن الكريم هو الذي حفظ هذه اللغة. وعليه، فإذا كان الإسلام هو الذي ساعد في انتشار الثقافة العربية، فإن الآثار التي تركها لنا المسلمون تعد شواهد على هذا القول، كما وتشكل الآثار عاملاً مشتركاً بين الأمم فهي دالة على الإتصالات الحضارية والتبادل الفكري والثقافي أكثر من دلالتها على النزاعات والحروب.
وقال قد ننظر للتراث الآثاري من وجهة نظر أخرى، لنقول إن المهم تقديمه للناشئة من أجيالنا، ولا بد من التأكيد أننا نرحب بالتنوع ضمن الإطار الثقافي الواحد، لأن في هذا اعتناء بالتراث الثقافي الآثاري العربي؛ فالتنوع يؤدي إلى الإبداع، وهذا يفتح الطريق للتنوع الثقافي والإنتاج الفكري. وينعكس هذا بكل وضوح على غنى البلدان العربية بالآثار، مشيرا إلى أنه وبما أن الآثار تشكل جزء هاماً من الهوية العربية، لا بد لنا من القول أنها تواجه عدد من التحديات الخارجية والداخلية، مثل، الصراعات العسكرية، والتفسيرات المتحيزة من قبل بعض الباحثين، وأخيراً الحفريات غير الشرعية التي يقوم بها المواطنين بحثاً عن الكنوز والدفائن الأثرية.
وأضاف كفافي إنه لمن الغرابة أن يصبح التراث الثقافي العربي، وخاصة الأثري منه، هدفاً لحملات عسكرية، لأن تدمير الآثار وتدمير التراث يعني محو الهوية، لافتا إلى أن تراثنا العربي عميق الجذور وأن التراث الثقافي، سواء الملموس، أم غير الملموس لا يمكن إعادته للحياة، أو لطبيعته الأصلية، بعد تدميره لذا، من واجبنا المحافظة على هذا التراث ونقله إلى الخلف على أفضل حال.
وخلال مشاركة الدكتور كفافي في فعاليات المؤتمر تم تكريمه من قبل إدارة جامعة الكويت تقديرا لدوره في الحفاظ على التراث الأثري وتقديمه.