رعى الدكتور عدنان بدران رئيس الوزراء الأسبق افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي التاسع الذي ينظمه قسم الاقتصاد في جامعة اليرموك بعنوان "الإصلاح الاقتصادي والإداري وسياسات التكيف في الأردن والوطن العربي"، ويستمر ثلاثة أيام.
وقال رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي في كلمة ألقاها في الافتتاح إن موضوع المؤتمر وأهدافه يعد الشغل الشاغل لمنطقتنا العربية ولاقتصاداتها وحكوماتها وسكانها، حيث أن التحديات الاقتصادية على اختلافها، حاضرة في دولنا العربية دون استثناء ولكن بدرجات متفاوتة، لافتا إلى أن عدم الاستقرار الذي شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة أدى إلى انعكاسات سلبية على الاقتصادات الوطنية، وتمثل ذلك بانخفاض معدلات النمو السكاني، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وغيرها من التحديات، مشددا على أن الاردن وبفضل قيادته الهاشمية المظفرة كان من السباقين الى الاصلاح في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى غدا الاصلاح في وطننا نمط حياة، وبناءً مؤسسياً نفاخر به الدنيا.
وأكد على أن هذا المؤتمر يشكّل مثالاً يجسّد رسالة جامعة اليرموك في الانفتاح والشراكة مع المؤسسات الأكاديمية والباحثين داخل المملكة وخارجها، وحرصها على توطيد أواصر التواصل العلمي بين علماء الأمة وباحثيها ومفكريها من أجل دراسة وتحليل القضايا المحلية والعربية ووضع الحلول المناسبة لها.
بدورها أشارت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم الادارية الدكتورة منى المولا في كلمتها إلى أن الاردن ومنذ تأسيس الامارة ظل منفتحا على العالم ومستجداته من حقول المعرفة على اختلافها، وقد جاء هذا المؤتمر بمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والأكاديميين من داخل الاردن وخارجه من أجل عرض وتحليل وتقييم تجارب الأردن والدول العربية في مجال الإصلاح الاقتصادي والإداري، والتعريف بالتحديات الاقتصادية والمالية والإدارية في الأردن والوطن العربي والتي تعيق مسيرة الإصلاح، بالإضافة إلى توضيح سياسات التكيف والتثبيت الاقتصادي التي تبناها الأردن والدول العربية كمدخل للإصلاح الإداري والاقتصادي، موضحة أن أهمية هذا المؤتمر تبدو جلية بأهدافه ومحاوره التي مست هموم المواطن العربي، والاختلالات التي تعاني منها الاقتصادات العربية، لاسيما في خضم حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تشهدها المنطقة العربية، الأمر الذي يحتم علينا كمشاركين في هذا المؤتمر أن نجود بمناقشات وتحليلات معمقة للواقع الاقتصادي في دولنا، تفضي إلى اقتراحات وحلول وسياسات وإجراءات عمليه قابله للتطبيق، لتمثل خارطة طريق لعملية الإصلاح، التي تقع ضمن الجهود الرامية للإصلاح في الأردن وفي الدول العربية، وخاصة بعد ظهور الأزمات المالية التي برهنت من جديد على عدم قدرة اقتصاد السوق وآلياته على تصحيح الاختلالات والمشاكل الاقتصادية منفردا.
الدكتور عبد الباسط عثامنة رئيس قسم الاقتصاد، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر قال في كلمة القاها في الافتتاح إن الاقتصادات العربية لم تكد تلبث من التعافي من التحديات والأزمات المالية والاقتصادية، التي عصفت بالعالم والمنطقة قبل عقد من الزمان، وهي إلى الآن ما تزال تشهد تغيّرات هائلة، فرضت تبعات اقتصادية وتنموية غير مسبوقة على المنطقة، المثخنة أصلا بالتحديات الاقتصادية الجمة، الأمر الذي أدى تراجع معدلات النمو الاقتصادي، مترافقة مع ارتفاعات غير مسبوقة في غالب الدول في معدلات التضخم والبطالة، و مستويات المديونية، وعجز الموازنة، وعجز ميزان المدفوعات، وهو ما فرض عليها ضرورة تبني برامج وسياسات للإصلاح الاقتصادي، وقد تزامن ذلك كله بأن غزت ضروب من الفساد والمحسوبية والترهل أجهزة الإدارة العامة في بعض الدول.
وأضاف أن قسم الاقتصاد بجامعة اليرموك واكب هذا المشهد العربي بالغ التعقيد، وأخذ على عاتقه مهمة تنظيم هذا المؤتمر في هذا التوقيت، إيمانا منه بأهمية دراسة وتحليل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها دولنا العربية بعمق وموضوعية، ومحاولة اقتراح طرائق واقعية وحلول ناجعة ترتقي باقتصاداتنا، تجسيدا لرؤى وتوجيهات صاحب الجلالة الملك عبد عبد الله الثاني الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الارتقاء بالمستوى المعيشي لكل الأردنيين، فما أنفك جلالته يوجه الحكومة وفي كل مناسبة إلى إنفاذ سياسات اقتصادية وإدارية شفافة وواقعية، تعزز البناء المؤسسي للدولة الأردنية، وبما يدفع معدلات النمو الاقتصادي قدما، وتخلق فرص عمل لأبناء الوطن، وتوفر بيئة استثمارية جاذبة، وتعليما نوعيا للأردنيين على اختلاف مراحل التعليم.
والقى الدكتور أحمد البركي من جامعة بنغازي الليبية كلمة المشاركين شكر من خلالها جامعة اليرموك على تنظيمها لهذا المؤتمر الذي تغطي محاوره المتنوعة مختلف جوانب التحديات الاقتصادية والإدارية التي تواجه بلادنا العربية، في ظل التحولات السياسية التي مرت بها مؤخرا وما تبعها من اختلالات في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، والتي ترافقت مع تراجع الدور الاجتماعي للحكومات، معربا عن أمله بأن تكون مشاركته وزملاءه من خلال أبحاثهم العلمية محاولة لتشخيص الواقع الذي تعانيه بلداننا العربية من تحديات اقتصادية وادارية، وان تكون المقترحات والتوصيات التي ستقدمها هذه الابحاث، لها الاثر الفعّال في المضي قدما للرفع من أداء اقتصاداتنا الوطنية وتوجيهها نحو الطريق الصحيح.
وتضمن برنامج المؤتمر في يومه الأول عقد جلستين حواريتين، الأولى بعنوان "اقتصاد المعرفة واصلاح التعليم العالي في الأردن" تحدث فيها كل من الدكتور عدنان بدران، والدكتور كمال الدين بني هاني رئيس الجامعة الهاشمية، والدكتور ضياء الدين عرفة رئيس جامعة ال البيت السابق، والدكتور أنيس خصاونة نائب رئيس جامعة اليرموك للكليات الانسانية والشؤون الإدارية، وأدارها الدكتور بشير الزعبي رئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها.
وقال بدران خلال الجلسة الحوارية أن التعليم العالي يشكل الحلقة الأهم في العملية التعلمية، ولكي يقوم بدوره بكل فاعلية، لابد لنا من إعادة قراءة منظومة التعليم العالي وإصلاح ما أصابها من خلل، وإجراء التغيير، ووضعها على قاعدة متينة ومستدامة من الحداثة وما بعد الحداثة، لرفد المجتمع بأدوات التنمية والتقدم ومجابهة تحديات العصر، مشددا ضرورة إعادة هيكلة التعلم الوطني من الطفولة المبكرة حتى نهاية الجامعة، من خلال تطوير المناهج وفق أحدث الأسس والمعايير العصرية بالمهارات المناسبة وطرائق التعلم، جنبا إلى جنب مع تدريب المعلمين وأعضاء هيئة التدريس على الطرائق والتقنيات الحديثة في التعلم من أجل غرس مفاهيم واتجاهات التعلم لتصبح مدى الحياة.
وشدد على أن إصلاح منظومة التعليم العالي سهلة، ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية جريئة للوصول إلى التحديث والتطوير في جامعاتنا، لافتا إلى أن محاور عملية الاصلاح تتركز في إعادة استقلاليتها أكاديميا وإداريا وماليا، وبناء التعددية والتنافسية بين الجامعات، وأن تقتصر مهام مجلس التعليم العالي، على وضع السياسة العليا التعليم العالي واستراتيجيتها الوطنية ومتابعة تنفيذها، وإعادة الصلاحيات كاملة إلى مجالس الأمناء التي تقوم بدورها بوضع سياسة واستراتيجية الجامعة المنبثقة عن السياسة الوطنية العليا للتعليم العالي، بما يسهم في الوصول إلى مخرجات مميزة من المبدعين، ومن البحوث العلمية الرائدة لبناء الاقتصاد المعرفي والوطني، بالإضافة إلى ضرورة التأكيد على توفير الإدارة الجيدة لاقتصاديات التعليم الجامعي، لتحقيق كفاءة الانفاق وفاعليته، وإعادة النظر بسياسات القبول في الجامعات على ان تكون مبنية على الكفاءة والجدارة.
وأكد بدران على ضرورة تطوير الخطط والبرامج الدراسية وتحديثها لتحسين جودة ونوعية مخرجات التعليم العالي لتتواءم مع متطلبات سوق العمل المحلي والخارجي، والتركيز على التعلم الذاتي والتفكير الناقد وحل المشكلات وأساليب البحث والاستقصاء، وإكساب الخريجين المهارات الفنية والتطبيقية ومهارات التواصل ومهارات الريادة، ودعم التوسع في التعليم التقنين وتشجيع البحوث العلمية التطبيقية، فالبحث العلمي يجب أن يقود إلى تنمية المجتمع من خلال انتاج المعرفة، لافتا إلى أننا نستطيع الخروج من عنق الزجاجة إذا حسنا جودة التعليم ومخرجات التعلم، ووجهنا التعليم نحو الصناعة، وتوجيه مشروعات الطلبة نحو الابداع والابتكار والشركات الناشئة، واستخلاص البحوث ذات الجدوى الاستثمارية والاقتصادية وتحويلها إلى مشروعات تجارية.
وكان الزعبي قد أكد في بداية الجلسة على أن اقتصاد المعرفة له دور كبير في زيادة الدخل القومي للدول التي تتبنى الاقتصاد القائم على المعرفة وتوظيفها من أجل تطوير المجتمعات الانسانية، مشيرا إلى ان الجامعات أمام تحدي كبير للتحول من ناقل للمعرفة إلى منتج للمعرفة، لافتا إلى ضرورة إعادة النظر بمناهجنا وخططنا الدراسية وأنشطتنا اللامنهجية المبنية على نتاجات التعلم، وذلك من أجل اكساب الطالب المعرفة والمهارة والكفاية التي يحتاجها، وهذا هو المطلوب من أجل بناء الاطار الوطني للمؤهلات، موضحا أن المعرفة تعتبر أداة للتنمية، ففي الدول المتقدمة نجدها تعتمد على مؤسسات التعليم العالي لأنها تمتلك بنية معرفية تتضمن العناصر البشرية والتقنية وتعتمد عليها لاكتساب المهارات والمعارف الجديدة وتوطينها، مشددا ضرورة تجاوز التحديات التي يعاني منها قطاع التعليم بشكل عام من خلال تطوير سياسات التعليم ومراجعتها بشكل دوري، والاستفادة من تجربة الدول التي طورت العملية التعليمية فيها ونجحت في ربطها مع احتياجات السوق.
بدوره استعرض بني هاني تجربة الجامعة الهاشمية خلال السنوات السبع الأخيرة في التطوير وتحسين وضعها الاقتصادي، بعد ان كانت تعاني كشقيقاتها من الجامعات الأردنية من مديونية عجز كبير في الموازنة، لافتا إلى ضرورة تعميم هذه الجامعة على الجامعات الاخرى والاستفادة ما امكن من اجل النهوض بالمستوى الاكاديمي والمالي والاداري والبحثي لمؤسساتنا التعليمية في الأردن، مؤكدا أهمية التخطيط السليم وحسن إدارة الموارد، جنبا إلى جنب مع التشخيص الدقيق لواقع الحال ووضع الحلول الاستثمارية وترجمة الافكار الابداعية على أرض الواقع وتحويلها الى مشاريع مدرة للدخل بما يمكن جامعاتنا من الاستقلال المالي الذي يؤهلها للارتقاء بمستواها على مختلف الصعد.
وقال عرفة خلال الجلسة أن التحديات هي التي تفرض علينا التغيير، وأننا بحاجة إلى التغيير الذي يسيل الجمود الفكري، لافتا إلى انه يمكن مواجهة التحديات من خلال المؤسسية، والعمل على الاصلاح الشمولي الذي يتضمن كافة الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية، منوها إلى ان التغيير بشكل عام يكون في السلوك والنهج والتفكير، وأن أي حركة للتغيير تواجهها قوتين الاولى مؤيدة والثانية معارضة، الأمر الذي يتطلب منا تحليل وتشخيص للقوى المعارضة قبل البدء بعملية التغيير من اجل تلافي تباطؤ أو رفض عمليات التغيير، مشددا على أن التعليم العالي في الاردن يحتاج اعتماد منهجية حداثية الثقافة، أي التقليل من الاعتماد على الماضي، واستبداله بمراجعة الحاضر من أجل استشراف المستقبل، موضحا أن المطلوب من جامعاتنا في الوقت الحاضر هو انتاج السياسات التطويرية، والخروج من اطار مهام الجامعة الثلاث التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع إلى المهمة الاسمى في التعليم الممنهج والبحث العلمي القائم على الابداع، فالتنمية الشاملة تحدث بعمليات الابتكار.
وقال الخصاونة خلال الجلسة أن أهمية اقتصاد المعرفة ظهرت مع استخدام تقنيات المعلومات بدلا من الموارد ورأس المال، الأمر الذي ساهم بأن تصبح المعرفة من أهم عوامل التحول الاقتصادي في الدول الحديثة، لافتا إلى أن الابداع والمعلومات والذكاء والمعرفة التقنية تعد أهم المكونات الرئيسية للانتاج في اقتصاد المعرفة.
وأضاف أن اصلاح التعليم العالي يبدأ منه اصلاح التعليم المدرسي، ويتطلب الاصلاح بالضرورة أن يتم اعادة النظر بقضيتي الحاكمية في الجامعات والتمويل بما يتيح مساحة لإدارات الجامعات باتخاذ الاجراءات وتطبيق الخطط الاستراتيجية الكفيلة بالارتقاء بمستواها العلمي والاكاديمي، جنبا الى جنب مع ضرورة اعادة النظر في فلسفة وتوجه المناهج المدرسية وطرق التعليم والانتقال بها من التلقين الى التعليم الناقد الذي يقوم على التحليل والتفكيك ومحاكمة الافكار والظواهر والشك العلمي، مشددا ضرورة مراجعة نظام العلامات المتبع في التعليم المدرسي والذي لا يرتبط كثيرا بمستوى المهارات والتحصيل المعرفي للطلبة، موضحا أن الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية التي تم اعدادها وتبنيها من قبل الحكومة يمكن أن تشكل اطارا مقبولا لغايات اصلاح التعليم العالين نظرا لشموليتها لمعظم محاور التعليم بما فيها التعليم المدرسي وما قبل المدرسي.
أما الجلسة الحوارية الثانية والتي أدارها الدكتور بسام الساكت، فكانت بعنوان "الاصلاح الاقتصادي والاداري في الأردن إلى أين؟"، وتحدث فيها كل من الدكتور صبري ربيحات وزير التنمية السياسية الأسبق، والدكتور ابراهيم سيف وزير التخطيط الاسبق، والدكتور مصطفى حمارنة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والدكتور عبد الرزاق بني هاني من قسم الاقتصاد في جامعة اليرموك.
وحضر فعاليات المؤتمر نواب رئيس الجامعة والعمداء، وعدد من الاكاديميين والمختصين في المجال الاقتصادي من الأردن والدول العربية المشاركة، واعضاء الهيئة التدريسية والمسؤولين في الجامعة، وحشد من الطلبة.