مندوبا عن صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال رعى رئيس مجلس أمناء جامعة اليرموك الدكتور خالد العمري حفل الافتتاح الرسمي للنفق المائي في مدينة أم قيس (جدارا).
ونقل العمري تحيات صاحب السمو الملكي الأمير الحسن للقائمين على هذا المشروع الوطني الهام، مثمنا دعم سموه لمختلف الأنشطة التي تنفذها جامعة اليرموك، لافتا إلى أن تنفيذ هذا المشروع من قبل كلية الآثار في جامعة اليرموك يعد نقلة نوعية للجامعة التي ارتأت أن تكون السباقة في الكثير من المجالات العلمية والبحثية، مشيرا إلى أن السفارة الأمريكية كانت وما زالت من أكبر الداعمين لقطاع التعليم العالي في الأردن.
وشدد على أهمية إيلاء المسؤولين وأصحاب القرار موقع ام قيس الأثري الاهتمام الكافي، والسعي لإدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي، وذلك بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية ومنظمة اليونسكو، لافتا إلى الدور الفاعل الذي تقوم به اليرموك منذ نشأتها في خدمة المجتمع، حيث نفذت كلية الآثار العديد من الأنشطة والحفريات وأعمال الصيانة والترميم في مختلف مناطق المملكة الأثرية، بما يسهم في الحفاظ على التراث الثقافي والإنساني، مشيرا إلى أن اكتشاف هذا النفق المائي في مدينة جدارا يشكل حافزا اقتصاديا لتعزيز التنمية المستدامة في مدينة اربد بشكل عام وموقع أم قيس الأثري بشكل خاص.
وأعرب رئيس جامعة اليرموك الدكتور زيدان كفافي عن فخر الجامعة بإنجازها لهذا المشروع بالتعاون مع دائرة الاثار العامة، وبدعم مالي من قبل صندوق السفراء الأمريكيين للحفاظ على التراث الثقافي في واحد من أهم المواقع الأثرية في الأردن.
واضاف أنه يجب أن نعترف بأن العديد من المواقع الأثرية في الأردن مهددة بالهدم، إما من قبل الباحثين عن الكنوز أو لأسباب طبيعية، الأمر الذي يحتم تظافر الجهود بين كافة الجهات المعنية من أجل حماية وصون التراث الثقافي الأردني، مثمنا الدعم الذي قدمه الصندوق لهذا المشروع، وتعاون دائرة الأثار العامة في العديد من المشاريع التي تقوم بها كلية الاثار والانثروبولوجيا في الجامعة في عدد من المناطق الأثرية في الأردن وخاصة في مدينة أم قيس، مشددا حرص اليرموك على تشجيع أعضاء الهيئة التدريسية فيها في كافة المجالات لاستقطاب المشاريع الدولية التنموية بما يعود على الجامعة والمجتمع بالفائدة على حد سواء.
والقى الملحق الثقافي في السفارة الأمريكية بيتر نيشولر كلمة في الحفل قال فيها إن صندوق السفراء الأمريكيين للحفاظ على التراث الثقافي يسعى لحماية المواقع والمواد الثقافية وأشكال التعبير الثقافي التقليدية حول العالم، لافتا إلى أن الأردن تلقى منذ عام 2001 ما يزيد عن مليوني دولار أمريكي كمنح لتمويل 18 مشروعا للحفاظ على الإرث الثقافي المتميز في عدة مناطق في الأردن، منها البتراء، والبيضة، وأم جمال، وأبيلا، ووادي الأردن، ووسط البلد في عمان، موضحا أن المواقع التراثية تعد شاهدا على الحضارات الإنسانية السابقة، مشيدا بجهود جامعة اليرموك ودائرة الاثار العامة في اكتشاف وصيانة وترميم المواقع التراثية الأمر الذي ينعكس إيجابا على القطاعين السياحي والاقتصادي الأردني على حد سواء.
وأعرب عن فخر الولايات المتحدة الأمريكية لشراكتها مع الأردن في الحفاظ على المواقع التراثية وحمايتها، مشددا على أن السياحة تعد واحدة من أساسيات الاقتصاد الأردني، وأن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة بدعم استمرار نمو اقتصاد المملكة، وتنمية القطاع السياحي فيه.
بدوره رحب مدير المشروع الدكتور زياد السعد بالحضور للاحتفال بتسليم نفق جدارا لدائرة الاثار العامة بعد الانتهاء من اعمال الصيانة والترميم والتأهيل لهذا المعلم الاثري الفريد والهام، مشيرا إلى انه تم تنفيذ هذا المشروع الوطني الهام من قبل فريق متخصص من كلية الاثار والانثروبولوجيا في الجامعة وبتمويل ودعم من صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ على التراث الثقافي.
وقال السعد إن هذا المشروع جاء ضمن خطة متكاملة وضعتها الكلية ترجمة لخطة جامعة اليرموك الاستراتيجية في محور المسؤولية المجتمعية للحفاظ على التراث الثقافي الغني والمتنوع لمدينة جدارا الاثرية، حيث تضمنت الخطة اجراء الحفريات والدراسات الاثرية في الموقع إضافة الى تنفيذ مشاريع الصيانة والترميم والتأهيل بما يضمن تحقيق التوازن المطلوب ما بين حماية التراث الثقافي في هذه المدينة من جهة، واستخدامه لمصلحة المجتمع سعيا الى احداث التنمية المستدامة المنشودة من جهة اخرى، مشيرا إلى ان المشروع يمثل باكورة مشاريع الصيانة والترميم والتأهيل المنفذة من قبل الكلية، كما تشمل مشاريع مشابهة لمعالم أخرى في المدينة منها مشروع صيانة وترميم وتأهيل السوق الروماني والنافورة الرئيسية (Nymphaeum) وشارع الاعمدة.
وأضاف أن اختيار نفق جدارا ليكون المشروع الأول جاء للأهمية الاثرية والتقنية لهذا المعلم، لاسيما وأن النفق يمثل جزءا من نظام مائي متكامل مكن من جر المياه العذبة من أماكن بعيدة ولمسافات طويلة تصل الى 170 كم عبر جبال واودية باستخدام قوة الجاذبية وحدها مما جعل من هذا المعلم شاهدا على العبقرية والابداع الهندسي في الفترة الرومانية، حيث يبلغ طول النفق 94 كم ويعتبر أطول نفق مائي قديم في العالم مما يعطي ميزة كبيرة واضافة نوعية لبلدنا الاردن الغني اصلا بتراثه الحضاري.
وأشار السعد إلى أن صيانة وترميم وتأهيل هذا المعلم الهام ستضيف الى موقع جدارا عامل جذب إضافي نوعي سوف يسهم في انتعاش السياحة في الموقع ويضيف نوعا جديدا من السياحة الا وهي سياحة المغامرة.
وخلال حفل التسليم قدم السعد عرضا تفصيليا حول المشروع أوضح من خلاله أن النفق الذي يمتد لمسافة 94كم يعتبر أطول نفق في العالم القديم وأهم الإنشاءات الهندسية في العصور القديمة الرومانية، لافتا إلى أن الدراسات أثبتت بأن القسم الأخير من النفق والبالغ طوله 26 كم والذي يمتد من عين تراب وحتى أم قيس، لم ينته حفره، وهو الذي يصل الى مدينة جدارا ويمر بطول 424 متر تقريبا لينتهي في وسط المدينة.
وقال إنه وبالرغم من تعدد الدراسات الأثرية للنفق منذ اكتشافه في منتصف ثمانينات القرن الماضي، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي تدابير وقائية أوعلاجية لحماية الموقع او تأهيله مما أدى إلى زيادة دمار وتلف الموقع بفعل تأثره بعوامل التجوية المختلفة وعوامل التدمير بشرية، حيث تم إهمال النفق وإغلاقه أمام الزوار مما ادى الى تفاقم عمليات التلف وتسارعها وتآكل سطح الحجر الجيري المكون للنفق وفقدانه للترابط بسبب تبلور الاملاح وتقلبات الرطوبة والحرارة، وبالتالي تم سقوط كتل حجرية داخل النفق، مما شكل تهديدا حقيقيا لهذا المعلم الاثري النادر وفقدان قيمته الاثرية والتقنية المهمة.
وبين السعد ان كلية الاثار والانثروبولوجيا في جامعة اليرموك ممثلة بقسم صيانة المصادر التراثية وادارتها قامت باعداد مشروع لترميم وتأهيل نفق جدارا المائي والمحافظة عليه، وقد تم تقديمه للحصول على التمويل اللازم من صندوق السفراء للحفاظ على التراث (Ambassadors Fund) (AFCP) حيث تمت الموافقة على دعم المشروع في كانون الاول من عام 2015، وكان هدف المشروع الأساسي هو حماية القيم التاريخية والأثرية والتقنية لنفق جدارا الروماني من خلال أعمال الصيانة والترميم والتأهيل للجزء المار تحت مدينة جدارا الاثرية بطول يبلغ 424م، واعداد النفق كمعلم سياحي يضاف الى المعالم السياحية العديدة في المدينة، وليضيف نمطا جديدا من السياحة في الموقع الا وهي سياحة المغامرة (Adventure Tourism).
وأشار إلى أنه تم تنفيذ المشروع من قبل فريق مختص من قسم صيانة المصادر التراثية وادارتها وبمشاركة فاعلة من طلبة القسم، وقد نفذ المشروع بتعاون وثيق مع دائرة الآثار العامة، بحيث قسٌمت أعمال المشروع إلى عدة مراحل الأولى كانت بتوثيق الموقع بالصور ورسم الخرائط واستخدام التقنيات ثلاثية الابعاد وتوثيق حالة التلف والأنهيارات داخل النفق وتحديد مسبباتها، وفي المرحلة الثانية تمت أعمال التنظيف وإزالة الأنهيارات المتواجدة في أرضية النفق، بالإضافة إلى إجراء أعمال التعقيم للتخلص من الفطريات والطحالب في أجواء النفق كاملةً، وتضمنت المرحلة الثالثة إدارة الأجزاء الخطرة في النفق من خلال أعمال التقوية والتثبيت في أجزاءه المختلفة، أما المرحلة الأخيرة للمشروع اشتملت على تدخلات علاجية ووقائية على طول أجزاء النفق لتسهييل استخدامه وأظهار القيم الموجودة فيه، ووضع خطة تشغيلية للنفق لغايات السياحة تضمنت اعداد المعلومات والصور والخرائط والفيديوهات اللازمة لشرح اهمية النفق وتقديمة للزوار، وبيان قواعد وارشادات زيارة النفق والاستمتاع به.
أوضح السعد خلال العرض الأسباب الموجبة لإنشاء هذا النفق قديما لسد احتياجات المدينة المائية العامة والخاصة، الأمر الذي أدى إلى اهتمام الهندسة الهلنستية والرومانية بأنظمة المياه المتعددة من قنوات المياه والأنفاق، حيت تم في الفترة الهلنستية إنشاء قناة تحت الأرض باستخدام النظام المائي الهلنستي، وتم بناء النفق الذي يبلغ طوله 30 كم، والمسمى قناة تراب، تأتي بالمياه من نبع تراب، أما في الفترة الرومانية أضطر المهندسون الرومان الى تطوير النظام المائي في المنطقة لسد احتياجات مدينة جدارا والمدن المجاورة، وبناء على دراسة وخبرة في جغرافية المكان، تم اختيار 3 سيناريوات لحل المشكلة، الأول يتم بموجبه نقل المياه من حوالي عشرة ينابيع شرق عين تراب إلى جدارا وأبيلا في الصيف، والثاني بناء قناة تصل المياه من الينابيع الكبيرة حول مزيريب وديون في سوريا، أما الثالث فكان بتوصيل مياه إضافية من وادي حرير/ سوريا، وقد تم التخطيط للخيارات الثلاثة وبناءها تدريجياً، ومن ثم ربطها معاً بالقناة التي تعرف بـ "قناة فرعون"، التي تبدأ من قرية دلة في سوريا عبر درعا وقويلبة إلى مدينة أم قيس، بحيث تمتد هذه القناة فوق الأرض في سورية لمسافة حوالي 60كم قبل ان تخترق الأرض في الأردن من خلال ثلاثة أنفاق أطوالها 1 و 11 و94 كم.
وتكون فريق عمل المشروع من الدكتور مصطفى النداف، والدكتور أحمد أبو بكر، والدكتور عبد الرحيم أحمد، والدكتور عبد الرحمن السروجي، والدكتور واصف السخاينة، والدكتورة سحر خصاونة، والمهندس فندي الواكد، ومحمد جرادات، والفني موسى السربل، والمساح موفق البطاينة، والمصور حسين ديباجة، ومحمد ربابعة.
وتضمن حفل الافتتاح جولة في النفق المائي تعرف خلالها الحضور على مراحل تأهيل وترميم النفق.
وحضر الحفل نائب رئيس الجامعة للشؤون الطلابية والاتصال الخارجي الدكتور فواز عبد الحق، وعميد كلية الاثار والانثروبولوجيا في الجامعة الدكتور هاني هياجنة، ومتصرف لواء بني كنانة أحمد عليمات، ورئيس بلدية خالد بن الوليد حسين ملكاوي، ومدير دائرة الآثار العامة بالوكالة يزيد عليان، ومدير مديرية سياحة اربد مشاعل خصاونة، وعدد من المسؤولين في الجامعة والسفارة الأمريكية في عمان، وأعضاء الهيئة التدريسية وطلبة الكلية.