مندوبا عن رئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مسّاد، رعى نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية الدكتور موفق العموش، ندوة "ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية 76 مع دخول المئوية الثانية"، التي نظمها كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية في الجامعة بالتعاون مع المكتب التنفيذي لاحتفالية إربد عاصمة للثقافة العربية، في مبنى المؤتمرات والندوات، شارك فيها كل من الفريق الركن المتقاعد غازي الطيب، واللواء الركن المتقاعد الدكتور محمد خلف الرقاد.
وأكد العموش في كلمته الافتتاحية أن ذكرى عيد الاستقلال تُجدد لدى الأردنيين أسمى معاني الاعتزاز والفَخر والولاء والانتماء، كما وتُعمق في الوقت نفسه مسؤولياتِهم تجاه وطنهم، لحِماية مُكتسبات الاستقلال ومنجزاته، حيث يتطلع الأردنيون بعزمٍ وثقةٍ وآمال طَموحة إلى المُستقبل الأفضل الذي ينشُدون، فالاستقلال كما قال جلالة الملك عبد الله الثاني هو" حالة مستمرة من العطاء والبناء والاعتماد على الذات لبناء المستقبل الذي يليق بأهل العزم والإرادة من الأردنيين الأحرار".
وأضاف أن الاستقلال ليسَ بالحدث العَابر أو المُناسبة الاحتفالية الشكلّية، إنما هو مشروعُ حياة، أرادهُ الهاشميون، ويجب أن يكونَ دوماً وِقفةً مع الذات، بوصفه سيرةٌ مُتدفقة حافِلةٌ بالإنجازاتِ وَالعطاءِ وَالإِصرار، وهذا هو جوهره الذي يجب أن ينعكس على كافة مؤسسات الوطن وعلى رأسها مؤسسات التعليم العالي الأردنية، عبر إحداث نقلة نوعية في نظامنا التعليمي ليتماشى مع مُعطيات التطوّر والتميُّز واحتياجاته، وإعادة تنظيم العملية التعليمة والخطط الدراسية وتطويرها، في ضوء التطور الرقمي وثورة تكنولوجيا الاتصال واقتصاد المعرفة، لتُناسب السياق المحلي وترتقي به لمواكبة التطورات العالمية في هذا الجانب، بالتزامُن مع تطوير الموارد البشرية بكافة اتجاهاتها الأكاديمية والإدارية والطلابيّة، والارتقاء بمهاراتها وإكسابها مهاراتٍ جديدة تتماشى وروحِ العصرِ ومُتطلباتِه.
وشدد العموش على أننا في ذكرى الاستقلال نحتاجُ نهضةً شمولية، تقوم على الاعتناء بالمبدعين وتمكينهم، وتطوير البحث العلمي لينسَجم مع حاجات المُجتمع وتطلُعاته ويُساهم في حَلِ مشاكله، من خلال خريجين مُتميزين منتمين يقودُون مؤسسات الوطن وهيئاته ومُنظماته ومصانعه ومُنشآته نحو التقدّم، يُديرون عَجلة الإنتاج في الوطن مُقتدين بالأوائل من الرجال العُظماء من أجدادنا صُنّاع الاستقلال، الذين حموهُ بالمُهج وسيجوه بأجفان العيون مُعلنين ميلاد فجر جديد مفعم بالأمل والمُستقبل المُشرق.
ولفت إلى أن الاستقلال هو أن تكون لنا اسهاماتُنا في خدمة أردننا الأغلى وإنساننا، فرغم محدودية امكاناتنا وشح مواردنا، فقد استطاع البناؤون الأردنيون الأوفياء أن يصنعوا الاستقلال – الذي يعني المجد والنماء- مُتحدّين مشقة الظروف، وصنعوا ما ننعمُ به اليومَ من مَجدٍ وعِزة، ومؤسسات ذات رسوخٍ وثبات، فَشيّدوا صُروحَ الوطَنِ الشَامَخَةِ بِحِكمَةٍ وَحِنكَةٍ قلَّ نظيرُها، واصلوا الليلَ بالنَهار بِكُلِّ عَزيمةٍ واقتدار، جُلَّ همِّهِم وَغايَتِهم أن يبقى الوطن قويّاً عزيزاً منيعاً، وواحةَ أمنٍ واستقرار وموئلا للأحرار وملجئاً للباحثين عن الأمن والاستقرار، ومنارة للتائهين ومطلبا للسائلين ، رَغمَ أَلسِنَةِ اللهَبِ وَالنِّزاعات التي تُحيطُ به، وليظلَ شاهِدَاً حيّاً على حُلُمِ الحُريَّةِ وَالانعِتاقِ مِنَ الظلم والقهر والاستِعمار.
وقال الطيب خلال الندوة التي أدارها شاغل كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية الدكتور محمد عناقرة، إن تاريخ الأردن وحضارته طاعنة في القدم، فقد استوطن البشر الأردن منذ أوائل العصر الحجري وعلى مر العصور التي مرت على البلاد عدة حضارات وممالك أبرزها الأنباط، الفرس، الإغريق ، الرومان، المماليك ثم العثمانيين ولا زالت آثارهم تدل عليهم في البترا وجرش ومأدبا والكرك والصحراء الأردنية.
وأشار إلى أن الأردن شكل نقطة وصل مهمة بين أقاليم المنطقة، كما أن الموقع الجغرافي أعطى قيمة استراتيجية عالمية للأردن في العصر الحديث، كما وكان في العصور السابقة.
ولفت الطيب إلى أنه عندما وصل الأمير عبد الله الأول إلى معان عام 1920، استقبل بحفاوة من قبل أعيان الأمة والوجهاء وقادة الحركة العربية الذين ثاروا على ظلم الأتراك وبقي في معان عدة أشهر ولكن الوجهاء حثوه على التقدم شمالا إلى عمان، فدخلها في الثاني من آذار 1921.
وأضاف الطيب أن بريطانيا وفرنسا غضبت من قدوم الأمير عبد الله، فقامت فرنسا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز قواتها على الحدود الجنوبية السورية، اما بريطانيا فقد حاولت بكل قواتها إخراج الأمير من المنطقة قبل أن تفكر بالاتفاق معه، وأرسل تشيرتشيل مندوب من القدس، ليقنعه بالعودة من حيث أتى ولكن الأمير رفض وأبلغ المندوب بأن الثورة العربية الكبرى، ما زالت مستمرة وأن الذي تغير هو العدو.
وتابع: تم تقييم الوضع ووجدت بريطانيا أن الأفضل لمصالحها هو الاتفاق معه، فـ أبرقت له أنها على استعداد لبحث القضايا العربية، فالتقى الأمير عبد الله برئيس الوزراء البريطاني وينستون تشيرشيل في القدس، وتم الاتفاق بينهما على تأسيس إمارة والتي أسسها الأمير عبد الله عام 1921، والتي سميت بإمارة شرق الأردن واعتبرت دولة تحت الانتداب البريطاني، التي اعترفت بها عصبة الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن الأمير عبد الله قام بالضغط على بريطانيا لتوحيد الأراضي العربية، حيث أعلنت بريطانيا وقتها عن ضم معان وتبوك إلى المملكة الحجازية الهاشمية، ثم اضطرت تحت ضغط الأمير من جهة والأردنيين من جهة أخرى لمقاومة الانتداب وعقد عدة مؤتمرات شعبية ضد البريطانيين، فقامت بريطانيا بتعينه حاكما على المناطق في شرق الأردن، فكان هذا باكورة الجهاد الموحد والمتفق عليه بين الأمير الهاشمي والمجاهدين الأردنيين وحركات التحرر.
وتابع: في 11 نيسان عام 1921 وبعد الحرب العالمية الثانية أبرمت معاهدة في لندن بتاريخ 22 آذار عام 1946 أعلن الأمير عبد الله حاكما رسميا على البلاد.
في ذات السياق، أكد الرقاد حرص الهاشمين على التواصل مع أبناء شعبهم منذ أن كان عدد سكان الأردن لا يتجاوز ربع مليون نسمة عام 1921، إلى أن تجاوز التعداد السكاني الحالي الـ 10 مليون نسمة.
وتابع: لقد عبر الأردن العهود الهاشمية الأربعة، فكان الملوك الهاشميون يدعمون مشاركة المواطن في صنع القرار، ويعملون على تطوير الحياة الديمقراطية، وعلى ترسيخ أسس العدالة والمساواة، تحقيقا للمبادئ التي قامت من أجلها ثورة العرب الكبرى التي فجر رصاصتها الأولى الشريف الحسين بن علي.
وأشار الرقاد إلى أن الهاشمين هم من خطوا أول سطر في الخطاب السياسي الأردني، منذ أن انطلقت الثورة العربية الكبرى في عام 1916، والتي سعت لتحقيق هدفين استراتيجيين، الأول الحفاظ على الدين، والثاني استقلال أمة العرب وقيام الدولة العربية المستقلة.
وأكد الرقاد أن من ثمار هذه الأهداف هو تأسيس وإنشاء الدولة الأردنية عام 1921 استنادا لمرتكزها في الوحدة العربية الذي شكل واحدا من مبادئ الثورة العربية الكبرى، حيث أنشأ الملك المؤسس إمارة شرق الأردن التي شكلت واحدة من ثمار الثورة العربية الكبرى التي كانت تطمح لتأسيس الدولة العربية المستقلة، لكن أطماع وغدر الاستعمار جعلت الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، حيث ترك الأمير عبد الله الحجاز ووصل معان عام 1920، ثم عمان التي وصلها في الربع الأول من العام 1921.
وأشار الرقاد إلى أن الأمير عبد الله تمكن من تأسيس الإمارة، وأمر بتشكيل أول حكومة أردنية في أوائل نيسان عام 1921.
وشدد على أنه ومنذ أن اعتلى جلالة الملك عبد الله الثاني سدة الحكم، فقد انطلق في فلسفة حكمه استنادا إلى عدة مرتكزات، أبرزها المرتكز الديني والمرتكز القومي والإنساني والسياسي، بالإضافة إلى المرتكز الاجتماعي.
وعرض الرقاد أبرز الإنجازات الأردنية في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، وأهمها العلاقات الدولية والسياسية الخارجية، على المستوى الدولي، وعلى مستوى الدول العربية الشقيقة، إلى جانب الحفاظ على المصلحة الأردنية العليا، مبينا ان الأردن حقق مصداقية سياسية عززت من دوره الاستراتيجي كعنصر مهم في التفاعل السياسي الدولي عبر توطيد العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، وانتهاج سياسيات متوازنة مع كل أطراف المعادلات السياسية، والحفاظ على الدور الاستراتيجي الأردني في القضايا العربية والإسلامية.