برعاية سمو الأميرة سمية بنت الحسن تم افتتاح فعاليات مؤتمر همبولت الدولي "التراث الثقافي: بين العلوم الإنسانية والعلوم الأساسية"، الذي نظمته جامعة اليرموك ومؤسسة الكسندر فون همبولت الألمانية، الذي عقد في فندق الماريوت بعمان، واستمر ثلاثة أيام.
واكدت سموها في كلمتها على أهمية التراث الثقافي بالنسبة للأفراد والمجتمعات وعلى مختلف المستويات المحلية والدولية، وضرورة المحافظة عليه ونقله للأجيال القادمة.
وأضافت سموها انه ينبغي أن نعزز معلوماتنا حول العلاقة بين العلوم الانسانية والطبيعية وعلوم الحياة بشكل عام وأن نضع إطارا لتطوير التراث الثقافي وصلته بالتنمية المستدامة.
وأشارت إلى أن الحروب والنزاعات التي تمر بها مختلف البلدان تعتبر العدو الاكبر للتراث الثقافي المادي وغير المادي والتي تؤدي إلى الإضرار به وضياعه، مشيرة إلى أن ما حدث في العراق وسوريا يعتبر خير دليل على ذلك.
بدوره قال رئيس الجامعة الدكتور زيدان كفافي في كلمته إنه يتوجب على الباحثين اتباع أفضل الممارسات البحثية بما في ذلك دراسة دور العلوم البحتة والعلوم الإنسانية لتحسين فهم وتطوير ووضع المقاربات والمناهج للحفاظ على التراث الثقافي وصونه، سواء المادي أو غير المادي، وذلك في ظل النزاعات التي تحدث في عالمنا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن مشاركة العلماء والخبراء والأكاديميين من مختلف بلدان العالم في فعاليات هذا المؤتمر يؤكد ان التعاون أهم من المنافسة وأقوى من الانقسامات، كما ان هذا المؤتمر سيكون منصة لقادة الفكر والأكاديميين والباحثين لتبادل أفكارهم ووجهات نظرهم حول البحوث المشتركة التي قد تلهم بدورها معايير جديدة وعملية في مجال التراث الثقافي.
وأعرب كفافي عن فخره كون اليرموك تعتبر من المؤسسات الرائدة في الأردن والمنطقة في مجال دراسات التراث الثقافي نظرا لما تنفذه كلية الآثار والانثروبولوجيا فيها من برامج ومشاريع في هذا المجال على المستويين المحلي والدولي.
كما ألقى سفير مؤسسة الكسندر فون همبولت في الأردن، عميد كلية الآثار في الجامعة الدكتور هاني الهياجنة كلمة قال فيها إن انتاج الطبيعة لمناظر ذات جمال رائع، و تراكم تراث البشرية الثقافي عبر العصور، أدى إلى تشكيل ثروة ثمينة لا تخص كل دولة أو شعب على وجه الخصوص وإنما هي ثروة للبشرية جمعاء، لافتا إلى أنه انعقاد هذا المؤتمر من شانه أن يكون له تأثير إيجابي على تعزيز التعاون الدولي في مجالات الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز تقدم الحضارة الإنسانية، لاسيما وأن التعاون والتبادل في مجالات الثقافة يخدمان عملية تلاقي الثقافات المختلفة، ويعزز التفاهم المتبادل والصداقة بين شعوب البلدان المختلفة وتحقيق الانسجام والتقدم في المجتمع البشري.
وأشار إلى أن مشاركة 100 أكاديمي وباحث ومختص يمثلون 21 دولة في فعاليات هذا المؤتمر يعد فرصة لتبادل الأفكار والآراء حول قضايا التراث الثقافي المشتركة، ومناقشة أهم التحديات التي تواجهه وكيفية التصدي لها.
وثمن جهود إدارة الجامعة، ومكتب اليونسكو في عمان، ومؤسسة الداد الألمانية، والجامعة الألمانية الأردنية، وجامعة البلقاء التطبيقية، ووزارة السياحة والآثار، والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وسلطة اقليم البترا التنموي السياحي، ومجلس السياحة الأردني، و معهد مادبا للفسيفساء ، ومجلس البحوث البريطانية في بلاد الشام.
وأشارت السفيرة الألمانية في عمان الدكتورة بيرغيتا سيفكر إلى أن التراث الثقافي له قيمة عالمية بالنسبة للأفراد والمجتمعات التي يتوجب عليها الحفاظ عليه للأجيال القادمة فالمباني والمواقع الشهيرة والظواهر الطبيعية الفريدة والتقاليد والعادات الثقافية تستحق الحماية والمحافظة عليها لافتة إلى ان اليونسكو تهدف لحماية التنوع الثقافي للبشرية نظرا لدوره في تعزيز السلام والتفاهم الدولي، ولأثره الإيجابي على الاقتصاد من خلال خلق فرص العمل، وتأثير اجتماعي فهو يعزز التكامل والشمول والتماسك والمشاركة بين أفراد المجتمعات، وآثار بيئية فالتراث الثقافي يتيح التنمية المستدامة للمناظر الطبيعية.
وأكدت على أهمية تنمية معارف ومعلومات المختصين والمهتمين في هذا المجال حول العلاقة بين العلوم الإنسانية والطبيعية وعلوم الحياة بشكل عام، وأن يضعوا إطارًا لتطوير التراث الثقافي وتأثيره على التنمية المستدامة، مشيرة إلى أن تشجيع تبادل الخبرات المتعلقة بالنهج السياسية المناسبة وأدوات السياسة العامة يعد ضرورة لتعزيز النقل الحكيم والعقلاني والمستدام للتراث الثقافي وذلك من خلال وضع توصيات ذات صلة لتحسين سياسات الحفاظ على التراث الثقافي، مع مراعاة تعليمات اليونسكو لوضع المعايير والوثائق والاتفاقيات الاستراتيجية ذات الصلة.
وبدورها ألقت ممثلة اليونسكو كوستانزا فرينا كلمة شكرت من خلالها جامعة اليرموك التي ترتبط بشراكة قوية مع اليونسكو منذ سنوات، مشيرة إلى أن الدكتور الهياجنة كان ولا زال داعمًا حثيثًا لجهود اليونسكو لحفظ التراث الثقافي، ومشيدة بجهود مؤسسة ألكسندر فون هومبولت التي تسعى على الدوام لتعزيز تعاون العلماء مختلف الدول لتبادل الخبرات والمعارف حول القضايا المتعلقة بالثقافة والعلوم الإنسانية والعلوم.
وأضافت أن اليونسكو تعتبر أن التراث الثقافي يتجاوز المعالم الأثرية، وأنه يعمل كجسر يربط الأجيال والشعوب، كما تؤمن بأهمية الدور الحاسم الذي يلعبه التعليم الرسمي وغير الرسمي في الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي بشكل مستدام.
وأوضحت أن الحروب والنزاعات المستمرة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط أصبحت الثقافة ضحية لهذه الصراعات حيث تتعرض مواقع التراث العالمي لليونسكو للهجوم والدمار، بالإضافة إلى أثر النزاعات السلبي على جهود الحفاظ على المعالم والمواقع الأثرية، والتراث الثقافي بما يتضمنه من التقاليد الشفهية وفنون الأداء والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية والحرف التقليدية.
رئيسة الجامعة الألمانية الأردنية الدكتورة منار فياض ألقت كلمة خلال الافتتاح قالت فيها إن يعبر التراث الثقافي عن طرق العيش التي طورها المجتمع ونقلها إلى الأجيال القادمة، مشيرة أن الجامعة تدعم التراث الثقافي بعدة طرق حيث ينفذ مركز دراسة التراث الطبيعي والثقافي فيها مشاريع تساعد على حماية التراث الأردني وضمان استدامته كمشروع التراس القديم، ومشروع متحف الفوسفات، والذي يهدف إلى ترميم مباني منجم الفوسفات القديم في الرصيفة، وتوفير مورد تعليمي عن الفوسفات للأردنيين.
وأضافت ان كلية العمارة تقوم على إعداد الطلبة للمشاركة في الممارسة الحقيقية وتعزيز وعيهم تجاه المسؤوليات الاجتماعية، والتدخل البيئي وفوائد البحث والابتكار مما أدى إلى إنشاء برنامج ماجستير الحفظ المعماري، حيث يستجيب هذا البرنامج للحاجة إلى إعداد متخصصين يمكنهم سد الفجوة بين احتياجات المجتمع للحفاظ على تراثه وكافة القيم المرتبطة بذلك، ويستهدف البرنامج المتخصصين من المنطقة الذين سيتم إعدادهم وتأهيلهم لزيادة الوعي مع زملائهم المهندسين المعماريين والجمهور حول أهمية هذه المواقع والمباني والحاجة إلى حفظها واستخدامها بطريقة مستدامة.
كما ألقى ممثل مؤسسة الكسندر فون همبولت كلمة استعرض فيها نشأة المؤسسة التي تمول من وزارة الخارجية الألمانية ووزارة التعليم والبحث، مشيدا بجهود الباحثين في مجال التراث الثقافي في الأردن الذين لهم تاريخ زاخر في إجراء البحوث العلمية في هذا المجال.
وأشار إلى اهتمام الحكومة الألمانية بدعم التعاون العلمي والبحثي بين المانيا ومختلف دول العالم لا سيما في مجال التراث الثقافي، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي العام الماضي "السنة الأوروبية للتراث الثقافي" تم خلالها تنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات في هذا المجال، لافتا إلى أن التراث الثقافي في هذه الأيام بحاجة إلى الحماية أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ظل ما نشهده من تدمير للممتلكات الثقافية في العراق وسوريا ودول أخرى بسبب الإرهاب والحرب، والحفريات غير المشروعة والاتجار غير المشروع مما يشكل تهديداً للتراث الثقافي للبشرية
وحضر الفعاليات عدد من المسؤولين في الجامعة، والمهتمين في مجال التراث الثقافي من الأردن وخارجه.
وضمن فعاليات المؤتمر عقدت جلسة علمية شارك فيها كل من الدكتور جان ويناند نائب رئيس جامعة لياج البلجيكية وقدم ورقة بحثية بعنوان "هل يمكننا حقًا التخلص من العلوم الإنسانية في التعليم العالي؟"، والدكتور دومينيك بوناز من جامعة برلين الحرة الألمانية وتحدث عن "تراث الشرق الأدنى القديم"، والدكتور باتريك ألكسندر كروز من جامعة كريستيان ألبريخت الألمانية "الأعمدة والمسرح والمعابد (الكنائس) - ما الذي يصنع المدينة الرومانية؟".