قال رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عدنان بدران، إن الأولوية الأولى التي تحتاج الحكومة أن تعمل عليها لتحقيق الإصلاح الاقتصادي تتمثل في توسيع الطبقة الوسطى في المجتمع عبر توفير فرص العمل والتشغيل للمواطن للحد من البطالة والفقر، مشيرًا إلى أن ذلك يتحقق من خلال ضبط الإنفاق الحكومي وإزالة المعوقات أمام الاستثمار ونمو القطاع الخاص.
ووضع بدران خلال رعايته افتتاح مؤتمر الإصلاح الإداري في الأردن، الذي نظمته جميعة الأكاديميين الأردنيين بالتعاون مع جامعة اليرموك، في منطقة البحر الميت، بحضور رئيس الجمعية رئيس مجلس أمناء جامعة اليرموك الدكتور خالد العمري، ورئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مسّاد، ثلاث أولويات رئيسية لخطة عمل لإصلاح إداري متكامل وشامل، مبينا أن الأولوية في مشروع النهضة وخطة الإصلاح الإداري تتطلب توفير أمن كامل ومتكامل في قطاعات المياه، والطاقة، والغذاء، والدواء والصحة، والتعليم، والمعلومات، والسياحة لتنمية القدرات البشرية الذكية للاعتماد على الذات، مضيفًا أن التركيز على بناء الرأسمال البشري الذكي، ومخرجاته من البحث العلمي، والإبداع والابتكار والريادة للتغيير والتحديث.
وأشار إلى أن المئوية الأولى للدولة الأردنية تميزت ببناء أركان الدولة بمؤسساتها المختلفة، وبناء البنية التحتية في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير أن الحداثة التي حصلت في هذه القطاعات لم يواكبها الحوكمة والإدارة الجيدة للموارد البشرية والطبيعية والمالية، مما أصاب التنمية بتشوهات في سوء الإدارة وتشري للفساد.
وقال بدران "لابد من وضع خطة عمل لإصلاح إداري متكامل وشامل كمشروع نهضة دون بطء أو خجل أو وجل من خلال ما أطلق عليه "الوصايا العشر"، أبرزها إجراء تعديلات في ديوان الخدمة المدنية ليصبح التوظيف وفقًا للجدارة والكفاءة وتكافؤ الفرص، وإجراء تعديلات في قانون العمل لإنهاء خدمات الموظفين الحكوميين المقصرين.
واقترح أن يتم التعيين بناء على النتائج التي يحققها المتنافسون على الوظائف في الامتحانات النظرية والعملية الخاصة بالوظيفة وليس وفقًا للأقدمية كما يجرى حالياً، من أجل الاستثمار في الموارد البشرية من أصحاب القدرات العالية لتحقيق النهضة، واخضاع من لا يحالفهم الحظ لدورات تدريبية في مجالات التوظيف لرفع مهاراتهم وسويتهم ليتمكنوا من التقدم مستقبلاً لوظائف شاغرة.
وطالب بدران بالقضاء على البيروقراطية وتبسيط إجراءات الحكومة في وزاراتها ومؤسساتها بحيث يتم اتخاذ القرار ضمن مدة زمنية محددة، والقضاء على سياسة مراجعة المواطن لعدة مؤسسات حكومية لإنجاز معاملته، بالإضافة إلى إنهاء خدمات "المسؤولين المرضى بعدم الجرأة أو القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها".
ووصف بدران الواسطة والمحسوبية بأنها "المرض الوطني الأردني المزمن وقمة الفساد الإداري"، وأن القضاء عليها يتم من خلال أتمتة معاملات الحكومة وربطها الكترونيا، مبينا أن ذلك سيضمن "الابتعاد عن المزاج الشخصي للمسؤولين"، وبذلك يمكن معالجة الاختلالات وضمان التنفيذ العادل والفعال للقوانين والأنظمة المرعية.
وأضاف بدران أن بناء الدولة في مئويتها الثانية يتطلب أيضًا تنمية مسيرة ديناميكية جديدة للجامعات، بأن تُفتحَ مساءً للتعليم المستمر والتدريب في مجالات الإدارة وتنمية المهارات المعرفية والتقنية ومهارات التفكير للتكيف مع متطلبات التنمية والمجتمع.
من جهته، قال العمري إن جمعية الاكاديميين الأردنيين حرصت وبالتعاون مع جامعة اليرموك، بإن يكون لها دور في تقديم رؤية للإصلاح الإداري المأمول في الأردن من خلال هذا المؤتمر الذي حدد بعض المكونات الرئيسية لهذا الإصلاح.
وأضاف هذه الرؤية تتمثل في البنية المؤسسية والمهارات المستقبلية للموارد البشرية، والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي والبيئة الإدارية والقيادة والتمكين وتفويض السلطة، مبينا أن ان الجمعية اختارت متحدثين لهذه المكونات ممن لديهم المعرفة والخبرة الأكاديمية وممارسة العمل الإداري العام.
وأشار العمري إلى أن تنظيم هذا المؤتمر، يأتي استجابة للمناداة بالإصلاح السياسي والإداري والاقتصاد، من خلال عقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات في القضايا الساخنة التي تهم المجتمع الأردني.
وتابع: و لما كان حديث الساعة عن الاصلاح السياسي والإصلاح الإداري على قمة الأولويات لإحداث التغيير نحو مجتمع أفضل، وعليه جاء هذا المؤتمر استجابة للنداءات والدعوات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، تزامنا مع التوجه الوطني بتشكيل لجان لهذه الغاية.
وقال مساد، عندما نتحدث عن الإصلاح الإداري في الأردن فإننا نستذكر مباشرة الرؤى الملكية السامية لجلالة الملك، و التي تنصب في موضوعات الإصلاح بمختلف أنواعه ومجالاته ويقع على رأسها "الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري"، إذ أكد جلالته في أكثر من موضع ولقاء بأنها السبيل للعبور الواثق إلى المئوية الثانية للدولة الأردنية نحو المستقبل.
وأضاف لقد أكد جلالته بوضوح وصراحة ضرورة الإصلاح الإداري والاقتصادي، لا بل وقد سبق جلالته الحكومات المتعاقبة في اجتراح واقتراح الحلول، ووضع اليد على مواطن الخلل والفجوات، إيمانا منه بأن الأردن أصبح أكثر حاجة للإصلاح، لاستكمال عملية النمو والتطوير.
وأكد مساد أن صلاح المؤسسات ونمائها يتوقف على حسن إدارتها، وتوجيه كفاياتها، وتفعيل مواردها، فالحديث عن الإصلاح الإداري، يتخذ العديد من المحاور والوجهات، من أبرزها: وضع حد للبيروقراطية والروتين الحكوميين، المعوقين للتطور الاقتصادي، وتعميق الشراكة مع القطاع الخاص، ووجود برامج أداء واضحة لقياس الإنجاز الإداري والاقتصادي، وتكريس الشفافية، ومحاربة الفساد والمحسوبية، ولغة المصالح، وتعزيز أدوات الرقابة بمؤسسات الدولة، لضمان الأداء الفاعل والشفاف، وبالتالي ضمان عمل جهاز الحكومة بكفاءة وفعالية.
وتابع : بأن عملية الإصلاح الإداري ليست قرارا إداريا يطبق على عجل، ونحصد نتائجه بين عشية وضحاها؛ فالإصلاح الإداري عملية طويلة وممتدة، وهذا ما يفرض علينا أن نكون موضوعيين، فلا نبالغ في توقع مخرجات سريعة من عملية الإصلاح، تجنبا للإحباط في بعض مراحل التنفيذ التي تصطدم بمقاومة التغيير من قبل بعض الموارد البشرية المعنية بهذه العملية، كما أن الإصلاح الإداري مسار طويل نسبيا، يحتاج إلى الحكمة والأناة والصبر والعمل الدؤوب والتكاتف أيضا بين مختلف الحلقات، فالتعثر في بعض المراحل أو في بعض الخطوات يجب الا يثنينا عن متابعة السير قدما ويجب ألا نسمح للإحباط أن يعيقنا عن المواصلة، بل يجب أن نصنع من العثرات جسورا وحافزا للمراجعة المستمرة للأداء، والاستفادة من الأخطاء، وتصحيح المسار بمزيد من الإصرار ليصبح الإصلاح ثقافة راسخة وليست مشروعا وقتيا.
وشدد مساد على أن الإصلاح الإداري ضرورة وطنية وثقافة تستند إلى تحييد الأنانية الإدارية والمؤسساتية والسعي الى أن يصبح السلوك الإداري للعاملين مسؤولا وموضوعيا، ومستندا إلى الولاء التنظيمي والإداري، ليكون الأردن الذي نبتغيه ونرجوه دوما نموذجا يحتذى كما أراده جلالة الملك.
وناقش المؤتمر في جلساته التي حضرها اكاديمين وخبراء من مختلف الجهات والمؤسسات الوطنية، موضوعات البنية المؤسسية قدمها الدكتور خليف الخوالدة، والمهارات المستقبلية للموارد البشرية قدمها الدكتور رفعت الفاعوري، والبيئة الادارية قدمها الدكتور محي الدين توق، والحوكمة ومكافحة الفساد قدمها الدكتور أحمد الزعبي، والقيادة والتمكين وتفويض السلطة قدمها الدكتور خالد العمري، والإصلاح الإداري قدمها الدكتور أحمد بطاح.