أ.د زيدان كفافي
جاءت فكرة هذه المقالة أثناء مشاركتي في أعمال المؤتمر الدولي الثالث لمؤسسة فون – همبولت الألمانية بتاريخ 8-9 كانون الأول من عام 2019، حيث كان شعار المؤتمر لهذا العام تحت عنوان «دور شبكات المعلومات في خدمة الأكاديميا». وبشكل أكثر تحديداً، فقد هدف المؤتمر إلى مناقشة تدويل العلوم التطبيقية والإنسانية من خلال فهم أفضل لدور شبكات التواصل الأكاديمي، ومدى قوة وتأثير هذه الشبكات في الاستفادة العالمية من العلوم والبحث العلمي وتأثيرها على المجتمعات البشرية في العالم.
يشهد العالم هذه الأيام تزايدا في عولمة المعلومات نتيجة لسهولة التواصل بين الأفراد بسبب التطورات التكنولوجية المتعددة التي أدت الى خلق العديد من شبكات المعلومات المختلفة على شاكلة Research Gate , LinkedIn , Academic حيث يستطيع كل شخص أن يتواصل مع أي شخص آخر بضغطة واحدة على أحد مفاتيح شاشة الحاسوب أو الجهاز المحمول، الأمر الذي قد يمهد الى اللقاءات الشخصية التي من شأنها أن تزيد من نجاعة ونجاح هذا التواصل في تحقيق غاياته.
تشكل شبكات التواصل الاجتماعي أداة للوصل بين الأفراد الذين لديهم الأفكار والاهتمامات البحثية المشتركة، وقد أثبتت السنوات الأخيرة ازدياد اهتمام الناس بشبكات التواصل الاجتماعي، مما سلط الضوء على دورها الكبير وتأثيرها في طبيعة العلاقات البشرية، وعلى الرغم من تزايد الدعوات لتطوير آليات تعمل على ضبط منصات التواصل الاجتماعي للحد من الاستخدام غير المنضبط، إلا أن هذه الشبكات ساعدت على زيادة محورة العمل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال فقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي كثيرا في القضاء على العنصرية العرقية، وشكلت ضغطا على المنادين بهذا الأمر.
والسؤال المطروح الآن: كيف يكون تأثير شبكات التواصل بشكل عام، وعلى مستوى التواصل الأكاديمي بشكل خاص حتى نصل إلى إنتاجية علمية عالية؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب حضور التعاون الأكاديمي من خلالها، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على زيادة الإنتاج البحثي العلمي المتميز وكفاءته، ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أهمية استثمار الاختلاف في وجهات النظر العلمية والخلفيات الأكاديمية بالطريقة التي يؤدي إلى الابتكار والابداع، إن الوصول إلى مصادر المعلومة العلمية الصحيحة، والثقافة العالمية القيمة أمر هام في البحث والريادة العلمية، حيث إن بإمكان شبكات التواصل الأكاديمي أن تؤدي إلى التفكير العلمي الحر والتفكير المبتكر، وهذا الأمر بالطبع يقود إلى مستوى علمي أفضل مما هو عليه الآن، كذلك من الممكن أن تمنح هذه الشبكات الأكاديمية الحماية للباحثين خاصة هؤلاء الذين يعيشون في بلدان لا تسمح بالحرية الفكرية.
التساؤل الثاني الذي أثار اهتمامي من خلال هذه المشاركة العلمية هو: هل تستطيع الشبكات الأكاديمية أن تكون ذات مردود إيجابي اجتماعي بين الباحثين والأكاديميين على السواء؟ إن الإفادة من إنشاء الشبكات الأكاديمية كبيرة جدا، فبالإضافة إلى أنها تعمل على إثراء المعرفة العلمية وزيادة الثقة بين الباحثين مما يؤدي إلى الحرية الأكاديمية، فإنه من الممكن أن تفتح مجالات للصداقة الشخصية بين الباحثين في مختلف أصقاع العالم وهذا ينعكس إيجابيا على العلاقة بين دول العالم المتعددة، وهنا لا بد من التساؤل عن الكيفية التي يتمكن الأكاديميون من خلالها أن يشكلوا مثل هذه الشبكة الأكاديمية، خاصة إذا ما علمنا أنهم ينتمون لخلفيات أكاديمية وعرقية متعددة ومختلفة.
وبالرغم من وجود بعض شبكات المعلومات الأكاديمية حاليا مثل: google scholar ، research gate وغيرها، إلا أن هذه الشبكات تهتم كثيرا بالاقتباسات العلمية «Citation» أكثر من اهتمامها بالربط بين أفراد المجتمعات الأكاديمية. كما أن تزويد هذه الشبكات بالمعلومات يعتمد كثيرا على مصداقية مزود المعلومات، كذلك لا بد من ذكر أن إنشاء شبكة تواصل بين الأكاديميين تواجه تحديات كبيرة خاصة في تمويل إنشائها وديمومتها، ومدى استعداد الأكاديميين على التعاون وتدويل نتائج أبحاثهم العلمية. كما أن بعض الدول تمنع باحثيها من تقاسم ونشر أبحاثهم مع باحثين من جنسيات أخرى بدعوى المحافظة على أمنها، وعدم تمكين البلدان الأخرى من تطوير نتائج أبحاث الأكاديميين فيها بشكل يخدم أهداف البلدان الأخرى.
وعلى الرغم مما ذكر أعلاه، فإننا نرى أن في تكامل هذه الشبكات الأكاديمية العالمية والإقليمية والمحلية فرصة كبيرة لزيادة الحصيلة المعرفية عند الباحثين في مختلف أصقاع العالم، كما أنها تفتح الأبواب للباحثين الشبان للتواصل مع غيرهم من الباحثين المعروفين عالميا، وتمنحهم فرصا أكثر للعمل، وتزيد من التنوع العلمي المعرفي لدى الأكاديميين. لكن يبقى السؤال الأهم: كيف نستطيع ضمان جودة ومصداقية ورفعة مستوى النشر العلمي لدى بعض الباحثين؟ هذا السؤال مطروح أمام أصحاب الفكر والقرار والمؤمنين بهذه الفكرة.
أختم بالقول إن الهدف من إنشاء هذه الشبكة ليس إعادة نشر المنشور، وإنما هو التحدث والحوار مع الآخر. أعتقد أننا في الأردن أحوج من غيرنا إلى إنشاء مثل هذه الشبكة سواء للتواصل بين الأكاديميين الأردنيين أو الانطلاق منها للحوار مع أقرانهم في كل بلدان العالم. والله من وراء القصد.
*رئيس جامعة اليرموك